نتحار كاتب محترم جدا 
( نشرت في جريدة آفاق الأدب ) 
قصة : ثروت مكايد
-1-
منذ حجبت الجائزة الكبرى عن الكاتب المحترم جدا " ع .م .عبد الرزاق " - بصفته من كبار مفكرينا - وهو في نكد مقيم . صحيح أنه لم ينتج عملا فريدا يذكره به التاريخ لكن من من الذين يحصدون الجوائز الكبرى له عمل فريد ، بل من منهم يستحق الجائزة ؟ ..وقالت زوجه تخفف عنه وطأة الألم : 
- لقد حجبت الجائزة عن كتاب كبار أيضا ..
رد بامتعاض : 
- ليس فيهم من هو أكثر طاعة مني ! 
مصت شفتيها الرقيقتين، وقالت تربت على نفسه القلقة : 
- مجرد وجودك ضمن كبار الكتاب ممن رشحوا للجائزة ، شرف واعتراف بإخلاصك .
أشاح بوجهه عنها ، وقال : 
- أنت لا تعرفين قيمة الجائزة عندي ..
- لقد حصدت معظم جوائز البلد ..
رمقها غاضبا وهو يقول : 
- أنا أخدمهم خدمة الكلب لسيده ..
- إياك أن تظهر غضبك .
- هكذا أنت دائما ! 
- لا أريد أن تسقط بتهورك هذا ..
- ومن يستطيع أن ...
قاطعته وهي تمسح على رأسه الصلعاء : 
- هم .
تمتم ساخطا : 
- عليكم اللعنة جميعا .
-2-
ارتعشت يدا الكاتب المحترم جدا " ع.م .عبد الرزاق" وهو يخط بيده المعروقة ملاحظاته عن الجائزة والقائمين عليها . علت دقات قلبه حتى صارت كقرع الطبول في أذنيه .ألقى القلم من يده وهو يرغي ويزبد . بدت عيناه العسليتان أكثر اتساعا وحزنا ، وحين بدت زوجه أمامه مزق الورقة بعصبية ، وألقى بها في سلة بجانبه ..قالت : 
- ماذا حدث لك !!
- يعتصرني الهم ..
- عليك أن تنسى الجائزة ، فينساك الهم .
- ليتني أستطيع ..
- لابد أن تنسى ، لتواصل المشوار .
ارتسمت على وجهه ابتسامة باهتة سرعان ما غامت ، وقال شاردا وكأنما يحدث شخصا غيرها : 
- سأكون عنيفا كثور ، عنيدا كبغل ، ولأخنقن الكلب الحقير الذي يربض داخلي ..
ودق على صدره بيده المعروقة ، وأردف : 
- سوف نرى .
-3-
في برنامج تلفزيوني قال الكاتب المحترم جدا " ع .م. عبد الرزاق " عند سؤاله عن أسباب حجب الجائزة ، وكان يتصبب عرقا : 
- المسألة في ..أقصد أن الخطأ الذي حدث ..
وتاهت الحروف من شفتيه . بدت حجرة الاستديو كفضاء رحيب . زاغ بصره وارتجف . بدت زوجه أمامه في ثوب أسود . كانت تبكي وتئن . وضع يده على عينيه وقد اختلط عليه الوهم بالواقع ...ابتلع ريقه مردفا : 
- الحقيقة ..الحقيقة أن الخطأ كان في محاولة تسييس الثقافة بدلا من تثقيف الساسة ..
قالت المذيعة : 
- ماذا يقصد كاتبنا الكبير بتثقيف الساسة ؟ 
تغير لون وجهه ، وقال : 
- أقصد ..المسألة ..لا أدري بالضبط ..لكن ما أقوله لك وبصراحة تامة أننا على وشك السقوط ، وأن مجتمعنا قاب قوسين أو أدنى من الكارثة ..
وقالت المذيعة التي أخذ العجب يتسلل إلى ملامحها والقلق : 
- لكنك قلت في كتبك أن مدنيتنا في صعود وأن ...
قاطعها مضطربا : 
- لا ..لا ..كتبي ماهي إلا نشرات ..دعائية ..نعم ..كتبي نشرات دعاية ..للدعاية لهم ..
- هذا كلام خطير ..
رد شاردا : 
- حياتنا كلها في خطر .
-4-
في صباح اليوم التالي لإذاعة البرنامج التلفزيوني طالعتنا الصحف بنبأ انتحار الكاتب المحترم جدا " ع.م. عبد الرزاق " . والحق أن الصحف ذكرته بخير ، وأظهرت معاناته في الفترة الأخيرة إذ وقع تحت ضغوط نفسية حادة لم يستطع تحملها ، وكان على وشك الجنون . وأكد بعض أساتذة الطب النفسي أن الكاتب الكبير تردد عليهم عدة مرات في الفترة الأخيرة ، وكان يعاني من اكتئاب حاد ..وقال الدكتور : " م.م.مهران " : 
- توقعت أن ينتحر وقد رفض العلاج ..وكان كثير النسيان . وقال لي : أنت لست طبيبا . وعندما سألته : ومن أكون يا أستاذنا ؟ . أجابني وهو يضرب كفا بكف : أنت بائع كشري . ونسى تماما أنه كاتب كبير ، واعتقد أنه مهرج في السيرك القومي ، وذهب إلى هناك بالفعل .
وعندما سئل مدير السيرك ، أجاب بأنه شاهد المغفور له أكثر من مرة داخل السيرك ، وكان يقف مع اللاعبين والمهرجين ويناقشهم .. أما زوجة الكاتب الكبير فأكدت ما نشر بعد أن وعدتها وزارة الثقافة بإعادة طبع كتب الكاتب المحترم جدا " ع.م.عبد الرزاق " .
تمت .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

#ديوان_الحب_الصادق #بقلم_د_مهاب_البارودي 318 - اشتاقك