***زهرة***عبد الستار الخديمي

*** زهرة*** 
شخصت عينا زهرة وهي تنظر إلى الساعة الحائطية باهتمام، بدا لها وكأن عقاربها تدور إلى الخلف، يمرّ الوقت كئيبا محمّلا بانتظار مرّ، كم تكره هذه الكلمة حتى أنها اعتقدت وهي طفلة أن الانتظار مكوّن من مكوّنات حليب الأمّ، كل ما تطلبه يُسجَّل على قائمة الانتظار حتى الأكل وغسل اليدين واللعب..، تعودت أن تكون في آخر الطابور ولم تترأسه مطلقا، ففي أحسن الأحوال كانت تتواجد في شطره الثاني. الأمر يبدو غريبا إلى حدّ ما لأنّه ليس من المنطق أن يُرَبّى الأطفال على الانتظار، فذلك سيقلّص حتما من جرأتهم ومن إمكانياتهم الإبداعية، هذا ما وعته لاحقا حين تدرّجت في مقاعد الدراسة، حتى أنها كانت في أعوامها الدراسية الأولى لا تتجرّأ على رفع إصبعها لتجيب عن أسئلة المعلم ظنا منها أنه عليها الانتظار. ولكنها كانت تتساءل في حوار باطني مزعج دون أن تتمكن من البوح بما يعتمل في نفسيتها: لماذا الانتظار وأنا أمتلك الإجابة الصحيحة؟ لماذا الانتظار وأنا جائعة؟ لماذا الانتظار وأنا وحدي ولا وجود لأحد معي؟ هل يقف الحب أيضا في الطابور وينتظر؟ آه.. كم كان مرّا أنها عشقته حتى النّخاع، تعطّرت بكل حركة كان يأتيها في قسمها النهائي في مسيرة ثانويتها، يرقص قلبها طربا حين كانت تسمعه يلقي قصائد الغزل وهو صاحب الصوت الرخيم. ولكنها تصارع في حلمها ويقظتها، لم تستطع أن تطفئ النار المستعرة في داخلها، لم تستطع البوح، كان غافلا عنها لا يعرف عن مأساتها شيئا. إحدى وصايا أمها المتكررة كانت سببا في ذلك، حين أعلمتها بنبرة حادة "لا تلهثي وراء الحبّ، فالأمر مقدّر ومكتوب، سيأتيك الحب والحبيب في الوقت المقدّر، انتظري واطمئني". انتهت السنة وتفرق الشمل دون أن يلتئم، وتحققت نبوءة أمها، خطبوها ولم يتركوا لها فرصة للمعرفة أو التفكير أو القبول أو الرفض، كان كلّ شيء ينتظر، إلا الزيجة التي تمت في وقت قياسي، معادلة صعبة ولكنها قبلتها عن مضض، أولا انصياعا لقوانين وأعراف المحيط الأسري والاجتماعي الذي تعيش فيه، وثانيا أملا في تغيير قد يحدث. حاولت زهرة أن تكون أنثى فأثثت محيطها الأسري بشيء من الدفء الوجداني والرومانسي، نجحت أحيانا وفشلت في أخرى، أنجبت بنتين وولد اعتقادا منها بأن الأطفال زينة الحياة الدنيا وسيدفعون الزوج لاكتشاف الجزء المشرق في شخصيتها.. كابدت لسنوات وانتظرت -ذلك الانتظار المرّ الذي خبرته- عسى أن يتغيّر الزوج وينسيها كبوات الماضي، فكل ما تطلبه هو اعتراف بإنسانيتها، وحفاوة بأنوثتها ليكون لحياتها طعم. تحب أولادها حبا جنونيّا جعلها تواصل الانتظار.. دق الجرس وفتحت الباب ورجعت إلى نفسها وبكت بكاء مرا لم يفهموا مأتاه، وتمنت لبنتيها حياة أفضل. بقلم: الأستاذ: عبدالستار الخديمي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

#ديوان_الحب_الصادق #بقلم_د_مهاب_البارودي 318 - اشتاقك