نهر الخطايا..........تأليف / متولي محمد متولي

نهر الخطايا
في قريتي
نام الجميع على حذر
فالذئب قد أكل النعاج
ولم يذر .. شيئا لنا
واليوم قد أكل الرضيعة فاطمة
يا ويلنا
إن كان أعجب ذلك الوغد الشقي
مذاقنا ..نحن البشر
صرخ الذي قد وصم دوما بالجنون
بصوته المبحوح من طول العويل
ما ذلك الليل الطويل
أين النجوم ؟!
أين القمر ؟!
نظر الجميع إلي السماء
وأنعموا فيها النظر
فإذا بها سوداء معتمة
كأن الناظرين تجاهها فقدوا البصر
الخوف يعتصر القلوب
والكل في بعض يذوب
والذئب يعوي
والمنيّة خلف أغصان الشجر
رفع الجميع أكفهم نحو السماء
وتنافسوا في نحر آثام جرت فيها الدماء
جرت الدماء كأنها نهر فأغرق قريتي
هرع الجميع إلي سقيفة شيخنا
يتباركون ويحتمون بكنفها
إذ أنّه الورع التقيّ الطاهر
فإذا بها تهوي عليه وتنكسر
وإذا به تحت الشظايا يُحتضر
ويقول أسفا نادما
يا ويلتي الذئب ذئبي
ليتني لم أطعمه
يا ليتني لم أسقه
أنّى لذنبي يغتفر
نهر الخطايا لم يزل يجري
يحيط رقابنا
والذئب لم يرحل
فمن أين المفر ؟!
أم الرضيعة فاطمة صرخت
عرفنا صوتها
شقّ الظلام نحيبُها
أيكون هذا الوغد عاد لأجلها
عجبا لأم لم يحالفها القدر
مسكينة أم الرضيعة فاطمة
تلك النقيّة التقيّة
زوجة الرجل المسافر
إنها تدعى لدينا الطاهرة
لما هرعنا نحوها
كانت تقول بحسرة
- والذئب يبقر بطنها -
أنا لم أخنه وإنما هو خانني
عشق الخليج ونسيني
من يطفئ الجمر اللهيب المستعر
يا ويلتي .. ماذا أصابك قريتي ؟!
يا أرض آبائي وأجدادي
أتلك نهايتك ونهايتي ؟!
غدت الخطيئة ماءنا وطعامنا ولباسنا
الكل ينضح بالخطيئة ها هنا
والذئب ليس كذئب يوسفْ
ولا الدماء دماء كبش قد نحر
شق السماء أمامنا خيط رفيع من ضياء
فرح الجميع تراقصوا
هتفوا : ستشرق ـ لا محالة ـ شمسنا
و البعض قال : بل القمر
صرخ الذي قد وصم دوما بالجنون
بل إنه نجم جديد
فإذا به .. نجم جديد قد ظهر
عجبا ..فقد ولى زمان الأنبياء
أيكون ذاك بشارة ؟!
أيكون ذاك نذير شؤم ؟!
لا أحد يعلم ما الخبر !
النجم يكبر .. ثم يكبر .. ثم يكبر
كالدخان وينتشر
يزداد حجما والسماء تضيق به
وضياؤه ملأ الأفق
قد أفزع الذئب الضياء
فطفق يركض مسرعا نحو الجبال
قمنا نهنئ بعضنا
ونقول قد زال الخطر
والطير كل الطير خرجت تحتفل
حتى الأرانب والقطط
خرج الجميع من المكامن والحفر
وجواد عمدتنا تحرر من لجامه وانطلق
لكنهم كانوا جميعا يركضون إلى الجبال
وكأنهم يسعون خلف الذئب فوق المنحدر
وجم الجميع وغشيهم هم عظيم قاتل
رفعوا الرؤوس لرؤية النجم الوليد
فإذا به يدنو من الأرض كسهم منطلق
يا ويلنا هذا النحاس المنصهر
هذا الجحيم
يسعى حثيثا نحونا
سيصيب قريتنا دمار شامل
يا قريتي ! .. يا قريتي !
أنا ما صنعت سفينة .. أنجو بها
إذ كنت أنت سفينتي
والآن ذا جبل الجليد أمامنا
سيصيبنا و يشقنا نصفين
ثم سننصهر
هيا .. فماذا ننتظر ؟!
هيا اركضوا نحو الجبال
بدأ السباق
والذئب في الأعلى يراقب من بعيد
أيكون ذا يوم الوعيد ؟!
لم يقو عمدتنا السمين ..
وسقط من هول التعب
قد كان يأكل كل يوم نعجة ..
أو نعجتين
وكان يشرب كل يوم ما يشاء ..
من الحليب أو العسل
وعوام أهل قريتي يتقاسمون..
رغيف خبز
ويشربون الوحل والماء العسر
أترون كم عدد الذئاب بقريتي
من يستحق اليوم ..
أن يبقى على قيد الحياة ؟!
سمع الجميع صراخ سيّدة تلد
وبكاء طفل لم يخلّصه أحد
الصوت يأتي من تجاه القرية
رجع الجميع القهقري
لذلك الطفل العجيب
الأم فاضت روحها
والطفل ينتظر الخلاص
الكل ينتظر الخلاص
و لا خلاص
غرقت عيون القوم
في دمع سخين منهمر
وتسابقوا في حمله .. ورعايته
حتى هدأ .. حتى سكن
نام الرضيع ..
فأحس بالأمن الجميع !
وتبدلت أحوال قريتنا التعيسة كلها !
ما لبث أن نزل المطر
فاغتسل أهل قريتي جميعهم
حتى انمحت كل الكوابيس اللعينة
النجم أطفأه الغلاف وبدده
والذئب من تلقاء نفسه انتحر !
عاد الأمان لقريتي شيئا .. فشيئا
لا شيء لليوم يعكر صفوها
إلا الذي قد وصم دوما بالجنون
فإنه .. ما زال يهذي
ويصيح فينا قائلا :
يا غجر .. يا غجر
الذئب حي لم يمت
الذئب حي فاستعدوا للهلاك
والنجم موجود ..
وإن كان الضياء قد انطفأ
الذئب موجود على مرمى حجر
والنجم يدنو من مجرتنا
ويزداد لهيبا وشرر
يوم الوعيد قد اقترب

تأليف / متولي محمد متولي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

#ديوان_الحب_الصادق #بقلم_د_مهاب_البارودي 318 - اشتاقك