ظلّت جدّتي «صلّوحة»تقول طوال حياتها :«الحمدللّه ربّ أنعمت فزد » . فتراها ترفع الى فمها الخاوي رغيف «كسرة » يابس تظلّ تمضغ لقيمتها مدة طويلة .ثمّ ترفع يديها إلى السّماء شاكرة.
وكنّا لا نرى من حولنا ، إلّا الفقر المدقع ، والأسمال البالية ، فنسألها بكلّ استغراب :«عن أي نعم تتحدثين يا جدّة ؟ »
فتجيب وهي ترفع بعكّازها تحاول لكزنا و إسكاتنا :«إنّ الجنّة في حياتنا ابحثوا عنها . »

ماتت جدّتي على حين غرّة ، فتحلّقنا نحن الصّبية بها .لا نفهم كل هذه المراسيم الجنائزيّة .
وفجأة دفعت الجميع واقتربت منها وغمغمت في أذنها وهي ممدّدة بيننا :« جدّتي إن دخلت إلى الجنّة فأرسلي لي بعضا منها . »
و حلّ العصر ، فحمل النّعش في شاحنة مكشوفة ، وجلست على الحافّة ، خالي الذهن متشبّثا بمتعة الرّكوب ........وسارت الجنازة ، وفجأة اهتزّت الشّاحنة بعنف، فسقطت إلى الخلف .وأظلمت الدّنيا من حولي .

استيقظت داخل المستشفى داخل بوتقة من الظّلام الدّامس ، الكلّ يسألني :«كيف حالك يا مهيب ؟ »..ولكنّي لم أجبهم كنت أحدّق إلى العدم ولا أراهم . مسحت عينيّ بيدين متعرّقتين ثمّ أعدت التّحديق .... فسبحت عيوني في الظّلام .وسمعت الكلّ يبكي .
بعد أسبوع أدخلوني قاعة العمليّات . استيقظت بعد سويعات ، و بقيت الضّمّادات ليومين تفصلني عن الحياة .. و جاء اليوم الموعود فسمعت الطّبيب يدنو مني ويزيلها .
وخاطبني قائلا :«ماذا ترى يا مهيب .؟ »
اجبت مع سيل من الدّموع :« إنّي أرى الجنّة ...شكرا يا جدّة على هذه الهديّة ».
بسمة خالدي ..........تونس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

#ديوان_الحب_الصادق #بقلم_د_مهاب_البارودي 318 - اشتاقك