• جسر الموت الكئيب ( قصة قصيرة ) ..محمد البكرى


• جسر الموت الكئيب ( قصة قصيرة )
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
• كان الجو حارا على غير المعتاد بتلك الأيام من السنة . ارتفعت درجات الحرارة باضطراد منذ الصباح ، وساعدت الرطوبة الكثيفة على هذا الاحساس القاتل بالاختناق . توقف طارق عند مشارف مدينة السويس ليفرغ أحد جراكن البنزين ( بتنك ) سيارته ، التى فر بها من الوادى طلبا للحياة ، كانت الجثث تنتشر بطول الطريق من القاهرة الى السويس ، التى بدت وكأنها مدينة للأشباح ، وقد هجرها معظم آهليها - الذين أخطأهم الموت - الى سيناء ليلقوا حتفهم هناك أيضا ، على يدى مسلحين أعيا الناس اكتشاف الجهة التى ينتمون اليها .
--------------
• كانت الجثث فى كل مكان بمدينة البطولات القديمة .. جثث لمحجبات ، ومنقبات ، ولفتيات تدلت الصلبان على صدورهن ، وأطفال تمزقت أجسادهم ، وشباب بلا رؤوس ، ورجال أموات معلقون على أعواد الإنارة بالشوارع ، أما النيران فكانت ما تزال مشتعلة فى كل دور العبادة .. مساجد وكنائس ومبانى خدمات وزوايا حتى المستشفيات الخيرية لم تترك بدون تخريب ، وانتشرت رائحة الموت فى كل مكان .
-------------
• انهمرت الدموع من عينى طارق وهو يتذكر زوجته وولديه الذين ذبحوا من الرقبة كما يذبح الدجاج وقد أُلقيت جثثهم داخل بانيو الحمام ، ولم يجد أمامه بعد فقد أسرته وكثير من أقاربه إلا الهروب من وادى الموت الذى عرفه الناس على مدى التاريخ باسم وادى النيل . كان كل أمله أن يتجه بمحاذاة ساحل البحر الأحمر جنوبا ، الى راس بيناس أو حتى حلايب والشلاتين .. أى مكان آمن عوضا عن أرض أصيب فيها الموت بالسعار فرفع منجله ليحصد الأرواح وكأنه يسابق رحمة الله خوفا من أن تتدارك البشر .
------------
• ما أن أدار طارق مفتاح سيارته وقد هم بالرحيل حتى رأى فتاة فى مقتبل العمر تتسلل من خلف أحد الأبواب وهى تشير له بالتوقف ، كانت ملابسها الرثة توحى ببؤس حالها . تنظر وكأنها لا ترى بعينين ذابلتين ، أضناهما الحزن والسهاد . وجه شاحب حائل لونه من الجوع والعطش ، تنتشر على ضفتيه خصلات شعرها المنسدل الأسود بلون الأيام ، وأيضا بلون الأرض التى يحاول الجميع الهروب منها . 
وفى طريقهما الى المجهول جنوبا حكت له الفتاة الصغيرة عن مقتل أسرتها ومعها المئات ممن ظنوا فى المسجد ملاذا آمنا لهم ، هدم المسجد وهدمت الكنيسة المجاورة واشتعلت فيهما النار وبداخلهما كل من حاولوا الاحتماء ببيوت الله ، ولولا أن أمها طلبت منها العودة للمنزل القريب من المسجد ، للحصول على ماتبقى لديهم من طعام لكانت قد قضت مع الجميع .
------------
• كانت الدموع هى القاسم المشترك بين طارق والفتاة التى ساقتها الأقدار اليه ، وعلى طول الطريق بين السويس والعين السخنة كانت الدبابات الإسرائيلية تنتشر فى الوديان القريبة وبجوار نقاط الحراسة الخاصة بقوات حرس الحدود المصرية على ساحل البحر . كانت الأعلام الإسرائيلية ترفرف وهى تحمل النجمة السداسية فوق أرض المصريين . 
انقبض قلب طارق وهو يتحدث بصوت مكسور ، يقطر حسرة وإحساسا بالخيبة والعار بعد أن تولى المصريون كل الأعمال القذرة نيابة عن قوات جيش الإحتلال الاسرائيلى ، وجاءت جيوش الصهاينة الى أرض مصر وكأنها جيوش تحرير انتظرها المصريون لتخلصهم من الفوضى التى عمت البلاد !
----------
• وعند مدخل العين السخنة وأمام قرية – ىسفارى إيجبت – وعند نقطة الحراسة المواجهة لها على ساحل البحر والتى سيطرت عليها قوات اسرائيلية ، تقدم أحد الجنود الإسرائيليين ليوقف السيارة ، نظر الى الفتاه نظرة ذات مغزى وأمرها بالنزول ، سخر طارق من كلماته ، وارتفع صوته يستنكر صفاقتة ، ولكن الرصاصة التى انطلقت من مسدس الغدر الى رأس طارق كانت هى الصوت الأعلى الذى وضع حدا للكرامة والشرف .
______________________________________ محمد البكرى
++++++++++++++++++++
*** إن كنت لا تتمنى أن يكتب مثل تلك القصة أحد الروائيين فى المستقبل فقم الآن لنلم شمل المصريين ونئد الفتنة التى يروج لها الإعلام المصرى الفاشل والهزيل والذى تأتيه المكافآت بالشيكل من خزينة الموساد ***

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

#ديوان_الحب_الصادق #بقلم_د_مهاب_البارودي 318 - اشتاقك