اعترافات شاعر حداثي... قصة قصيرة... بقلم : ثروت مكايد

اعترافات شاعر حداثي... 
قصة قصيرة...
بقلم : ثروت مكايد

...................
-1-
لم يعد شيء يثير في حديقة منزلنا.. ولا في منزلنا نفسه حتى زوجتي! . نعم قد كانت مثيرة فيما مضى لكنها الآن تشبه إلى حد كبير صندوق قمامة لا أكثر من هذا، وما إن تشتعل رغبتي حتى تخمد تحت وطأة إهمالها الذي بلغ حدا لا يطاق.. ولم تعد الحديقة كما كانت فقد باضت فيها الغربان، وأفرخت، وراحت تنعق صبح مساء ؛ مما استدعى الخراب لنفسي القلقة.. ولما كنت من شعراء مصر الكبار فقد أثر ذلك على انتا...جي.. صحيح أن سوق الشعر كاسدة، ولم يعد أحد في المحروسة يقرأ أشعارا حتى الشعراء أنفسهم لكني شاعر حداثي كبير.. كبير جدا، ولي قراء من المثقفين.. قراء يطربهم الغريب، ونقاد يستخرجون من شعري مالم أكن أدركه أنا كاتب الشعر حتى لقبت بشاعر الحداثة الأكبر في مصر المحروسة والوطن العربي كله.
-2-
حتى دورة المياه لم تعد مثيرة كما كانت من قبل، فقد كتبت فيها أكثر من نصف قصائدي.. المسألة أن زوجتي تمت بصلة قربى لناقد كبير.. كبير جدا، ولولا هذا ما أسكنتها حديقتنا. أنا أعرف أنها سبب هروب الشعر من صدري لكني لا أستطيع أن... أن ألعب بذيلي وإلا هدمني الناقد الكبير كما بنا....أووه... كل هذا لا يهم. المصيبة أنها اشتكت لقريبها هذا الناقد الكبير، واستدعاني لمكتبه في الجريدة، وقال بوجه غير الوجه الذي يلقاني به:
- زوجتك اشتكت إهمالك لها..
قلت بلا وعي:
- إنها لا تستحم..
ضرب على مكتبه بقبضة عصبية، وقال:
- ولم تستحم وأنت لم تقربها منذ... هل أقول لك منذ متى؟ ..
- سيدي أنا شاعر...
رد ساخرا:
- وهي تدرك هذا جيدا، ولذا لا تستحم.. ألم تدعها لهذا!
- أقسم لك برأس كل شاعر حداثي في مصر وغيرها أني...
وقاطعني الناقد الكبير وقد اشتد غيظه:
- أنت أخبرتها أمامي بأن تكون غريبة الأطوار حتى لا تصاب بالملل، فلم الآن تمل!!
ولم أنبس في حين أردف الناقد الكبير يقول:
- لقد تجاوزت عن الكسر في شعرك كثيرا..
- الوزن؟
- الوزن قضبان الشعر.
- لكن هذا لم يكن رأيك يا سيدي!
- نعم.. لكن هذا حين يكون الكلام مثيرا.. كلام حداثي.. حداثي بمعنى الكلمة.
وقمت خائر العزم ، حائر الفؤاد، شارد اللب.

باخ كل شيء حتى أنني رميت بالقلم في السلة، وكانت زوجتي تمتطي كرسيا هزازا في حديقة المنزل مما أثارني، وكان البوم ينعق كعادته وقت الغروب، وهي تترنم بأغنية قديمة، فقد كان صوتها جميلا أيام خطبتنا، وانحنيت فوق السلة، واصطدت قلمي من بين الورق الملقى فيها، وجعلت أخط فوق ورقة أمامي:
" كل شيء هنا حولي..
من الزهرة حتى الصخرة..
لا أرى فيه أثرا لروح،
لكني مازلت أهيم بتلك
الزهرة التي لم تخلق بعد. "
وطار قلبي فرحا. إنها قصيدة رائعة.. وربما حزت بها على تلك الجائزة التي وعدني بها الناقد الكبير، لأنني أجدد فأنا مجدد كبير كشاعر حداثي لا مثيل له في مصر المحروسة.
-4-
مات قريبها الناقد الكبير، ومت إذ انطلقت أقلام النقاد تلتهمني كألسنة اللهب، ولم تغير هي شيئا من نظام حياتها. أردت أن أتخلص منها كي أتخلص من الوراء كله لكني... وا أسفاه! ، لم أستطع فقد سجلت - في حياة قريبها - المنزل باسمها ليربطني بها إلى الأبد.
تمت .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

///////////// نكز //////////////للشاعر : حسين المحمد / سورية / حماة / محردة / ---------- جريجس / 4/7/2018